مفهـوم الحب في الإسلام
الحب في الله، والبغض في الله؛ أوثق عرى الإيمان؛ وفي هذا الدرس بيان أقسام الحب, وذكر نماذج من أولئك الأخيار الذين قدموا حب الله على حب غيره, ونماذج أخر من أولئك الذين قدموا محبة غير الله على محبة الله, فإن الحب والبغض عقيدة تستقر في القلب وتترجم على الأعضاء والأركان, وليست مجرد دعوى يدعيها صاحبها.
أقسام الحب
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
اللهم صل وسلم على من بعثته هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً بإذن الله وسراجاً منيراً.
أمَّا بَعْد:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإن كان من شكر فإني أشكر الله تبارك وتعالى على أن أجلسني بين أساتذة وطلبة علم ودعاة، ثم أشكر لأهل الفضل فضلهم: {ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله تبارك وتعالى } فأشكر عميد هذه الكلية وهيئة التدريس، والأساتذة الدارسين، وأبدأ معكم موضوعي الذي هو: مفهوم الحب في الإسلام.
لقد جاء الإسلام فقنن وحدد العقائد والأفكار والتصورات والأخلاق، وضبطها ووجهها ولم يجعلها هملاً، وإنما هي موجهة من الواحد الأحد، فمن هذا المنطلق سوف نتكلم عن الحب وكيف وجهه الإسلام والرسول عليه الصلاة والسلام ولم يتركه، لأن كثيراً من الناس ظنوا أنهم يحبوا من شاءوا وفي أي وقت شاءوا وهذا خطأ، وهل العقيدة والعبادة إلا حب؟!
وهذه المحاضرة تدور على ست مسائل:
أولها: المحبـوبات عند الناس في القـرآن الكريم
ثانيها: حب الكـافر لغـير الله عز وجل.
ثالثها: ادعاء الحـب, ومن ادعى الحب وكذب فيه.
رابعهاً: محبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأغلى المقاصد.
خامسها: علامة حب الله عز وجل والفاصل بين الذين يحبونه ولا يحبونه.
سادسها: هو الحب الرخيص الحقير التافـه الذي هو شؤم وأذى ولعنة ومقت على أصحابه، وسوف نقف مع أهل الحب الرخيص الفنانين والفنانات، والمغنيين والمغنيات، وأين صرفوا حبهم؟! وماذا فعلوا بحبهم؟! وما هو جزاؤهم عند الله إن لم يتوبوا؟!.
ذكر الإمام البخاري : {أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على المنبر فتكلم -وهو يتكلم للناس في العقائد والعبادات- فلما انتصف صلى الله عليه وسلم في حديثه وإذا بأعرابي يقاطعه فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وقال: مالك؟ قال: متى الساعة؟ فسكت عليه الصلاة والسلام فلما انتهى قال: ماذا أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكني أحب الله ورسوله, فقال عليه الصلاة والسلام: المرء يحشر مع من أحب } قال الحسن البصري معلقاً على الحديث: لا يخدعنكم الحب فحسب, فوالله الذي لا إله إلا هو لقد أحب قوم عيسى بن مريم حتى تألهوه فأدخلهم حبه النار، فهو حب بلا عمل.
وروى الغزالي في الإحياء عن ابن عمر أنه قال: [[والله, لو أنفقت أموالي غلقاً غلقاً في سبيل الله، وصمت النهار لا أفطره، وقمت الليل لا أنامه ثم لقيت الله، وأنا لا أحب أهل الطاعة، ولا أكره أهل المعصية، لخشيت أن يكبني الله على وجهي في النار ]] فمن هذا المنطلق جعل الرسول عليه الصلاة والسلام الحب عقيدة، ففي سنن أبي داود بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان } فهذه عقيدة وتصور وميول فمن صرفه لغير الله فقد أساء وتعدى وظلم.
والحب على قسميـن:
الأول: فطري جبـلي.
الثاني: كسـبي سبـبـي.
فأما الفطري الجبلي: هو حب جُبِل عليه العبد في ذلك، منها: حب الرجل الطعام، وحبه الماء، وحبه لابنه وزوجته.
أما الكسبي السبـبـي: فهو الإرادي الذي يحاسب الله عليه العبد إذا صرفه لغير مرضاة الله تبارك وتعالى.
ونقف قليلاً مع سؤال وجه لشيخ الإسلام ابن تيمية وذكره ابن القيم في روضة المحبين .
قال السائل: لماذا يقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال] كيف يأمرهم بذكره وقت الأزمات، أما هناك وقت للذكر إلا وقت مصارعة الأعداء والمقاتلة؟ قال ابن تيمية : إن المحبين يتشرفون بذكر محبوبيهم وقت الأزمات، أما سمعت لقول عنترة لما يقول لمحبوبته:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها لمعت كبارق ثغرك المتبسم
فكان الجاهليون يتمادحون لأنهم يذكرون محبيهم وقت القتال, فأراد الله أن يحول هذا المعتقد الآثم إلى ذكره في وقت الأزمات، ولذلك أفضل الذكر يوم يذكر العبد ربه وقت ملاقاته لقرنه أو مصارعه أو مبارزه.......
المحبوبات في القرآن
يقول الله تعالى: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ [آل عمران] فكل محبوبات الناس تدور على هذا، ولكن عند الله خير من هذا، ومن أحب هذا الشيء الذي ذكره الله، وأفنى حبه فيه وعبده، فليس له عند الله من خلاق، لأن الحب عبادة وإذا اجتمع مع الذل فهو كمال العبادة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: {تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة } والحديث عند البخاري في كتاب الجهاد ونصه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {تعس عبد الدرهم, تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش } وإنما سماه عليه الصلاة والسلام عبداً؛ لأنه صرف حبه لهذه الأمور حتى غلبها على حب الله، ومن الناس من يحب زوجته أكثر من حب ربه تبارك وتعالى! وعلامة ذلك أن يقدم مطلوبها -ولو كان معصيته- على مطلوب الله سبحانه وتبارك.
من الذي أخرج حنظلة الغسيل من بيته وهو في أول يوم من عرسه إلى لقاء الله, وأتى إلى أحد وكسر جفن سيفه على ركبته، وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى ]] إلا حب الله، وفي الأخير قال عليه الصلاة والسلام: {سلوا أهل حنظلة عن حنظلة ماله، فسألوهم، قالوا: خرج جنباً ولم يغتسل، قال: رأيت الملائكة بين السماء والأرض تغسله في صحاف الذهب بماء المزن } من الذي جعله في هذه الدرجة إلا حين غلب محبوب الله على محبوبه النفسي؛ ولذلك ترك كل شيء وخرج إلى لقاء الله، وسوف نمر بنماذج في العنصر الخامس إن شاء الله.
يقول الله سبحانه: وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً [الفجر] وهذا يدخل فيه نوعي الحب: سبـبـي كسبي، وفطري جبلي.
أما الفطري الجبلي: وهو أن الإنسان يحب المال بلا شك، وهو مفطور على ذلك، وأما الكسبي: فهو الذي يصل به إلى درجة العبودية للدرهم والدينار, فيسبح بحمده صباح مساء، ويجعله مقصده في الحياة ومطلوبه، فيكون كما قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً [الفرقان].
فمن جعل شيئاً أعظم من الله في قلبه وأحبه كان إلهه وكان مشركاً بالله.
ولذلك ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ذلك: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة].......
لا تقدم ملاذ الدنيا وحبها على حب الله ورسوله
وقد ذكر الله جل وعلا ملاذ الدنيا، فإن ملاذ الدنيا وشهواتها لا تخرج عن ثمانية أصناف ذكرها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في سورة التوبة: قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ [التوبة] من قدم شيئاً من هذه الثمان على حب الله، فلينتظر الموت ولينتظر اللعنة والغضب، ومن قدم هذه الأمور على الجهاد في سبيل الله وعلى طاعة الله فمعناه: أنه صرف الحب لغير الله، واستحق اللعنة والغضب من الله تبارك وتعالى، فهذه ملاذ الدنيا فمن قدمها على حب الله؛ فقد باء بغضب الله، يوم تأتي مصارعة حب الأب مع حب الله تبارك وتعالى، الأب يدعوك إلى المعصية، والله يدعوك إلى المغفرة وإلى جنة عرضها السماوات والأرض, وتعصي أباك حينها تكون محباً لله.
ومن أجلّ الصور قصة أبي عبيدة ولو أن في إسنادها نظر، لكن هي من قصص السير ولا بأس بإيرادها.
وقف أبو عبيدة عامر بن الجراح -أحد العشرة المشهود لهم بالجنة- يوم بدر فعرض له أبوه مراراً فجنح عنه بالسيف، فلما رآه معترضاً له وعلم أنه يدعوه إلى النار وعلم أنه يحارب الله؛ ضربه بالسيف فكان كأمس الدابر فقتله، فما كان من الله إلا أن جازاه في الحب حباً، وبالصدق صدقاً، وبالإقدام ثواباً وأجراً.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران] فهذا حب الجاه والشهرة, من أحب ذلك وقدمه على حب الله، فلا تحسبنه بمفازة من العذاب أبداً وله عذاب أليم.
يذهل الإنسان يوم يجد أهل الكفر والضلالة يستميتون من أجل مبادئهم ويحبون أصنامهم وطواغيتهم أكثر من حب أهل الإسلام لربهم تبارك وتعالى, يسهرون الليالي في إنتاج الخطط في محاربة الإسلام, يقدسون عظماءهم, ويقبلون صور عظمائهم، ثم نعجب حين نجد الإنسان لا يشعر بحرارة النخوة وعقيدته مع الله تبارك وتعالى.
يقول شاعر الضلالة والإلحاد الخوري :
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم
بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
يعني: يتخذ من دون الله أولياء ثم يموت في هذا الولاء ويحيا فيه؛ فما جعل الشيوعي، واليهودي والنصراني يستميت ويقاتل ويذبح إلا من أجل عقيدته، ولذلك يقول: هبوا لي ديناً: لا يهمني أي دين إلا دين يجمع العرب، فلا حيّ الله ذاك الوجه ولا بياه وعليه لعنة الله.
هبوا لي ديناً يجعل العرب ملة وسيروا بجثماني على دين برهم
برهم : المجرم الهندوكي السفاك. فيقول هذا: فأتوني بدين ولو كان على دينه، ثم يقول: لاتنظر إلى الأديان، بل بلادك الطين والتراب، فهذه عقيدته وهذا حبه وهو يلقى الله عز وجل:
بلادك قدمها على كل ملة ومن أجلها أفطر ومن أجلها صم
أحد الناس الذين صرفوا حبهم لغير الله من الفسقة -ابن هانئ الشاعر- يقف أمام سلطان لا يملك ضراً ولا نفعاً، ولا حياة ولا نشوراً، ولا حكمة ولا تصريفاً.. ويقول لهذا الحشرة:
ما شئتَ لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهـار
سبحان الله! من هو الواحد القهار إلا الله, من هو الذي يحيي ويميت إلا الله، من الذي يغني ويفقر إلا الله!
قل للطبيب تخطفته يد الردى من ياطبيب بطبه أرداكا
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما عجزت فنون الطب من عافاكا
والنحل قل للنحل يا طير البوادي من ذا الذي بالشهد قد حلاكا
وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا
واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا
ستجيب بلسان حالها: اللـه.
فهذا صرف معتقده ونسي نفسه وخلع حبه يوم دخل على هذا السلطان:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فما كان جزاؤه؟
والله قد يعجل بالجزاء ليجعل بعض الناس عبرة للمعتبرين، فهذا الشاعر أتاه مرض عضال فأخذ ينبح كما ينبح الكلب على فراشه، وتذكر تلك الكلمة الخاسئة الحقيرة التي صرف الحب فيها لغير الله فقال:
أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
فخر على وجهه فوقع على أرض سحيقة لأنه أشرك بالله.
وهذا المتنبي الشاعر يقول لـعضد الدولة :
أروح وقد ختمت على فؤادي بحبك أن يحل به سواكا
فضيعه الله في الدنيا والآخرة، فلا حصل على حب الناس في الدنيا أو على مكانة فيها وضيعه في الآخرة كذلك، والأمر عند الله؛ لأن أعماله شهدت له بمقال أنه صرف حبه لغير الله تبارك وتعالى.
وبعض الناس يجعل الرياضة إلهاً من دون الله فيحبها حباً شديداً، يسبح بحمدها, فيصبح عليها ويمسي عليها، ويوالي على فريقه ويعادي عليه, وهل العبادة إلا الحب والبغض؟!
وهل العبادة إلا الولاء والبراء؟!
وهل العبادة إلا الميول؟!
ولذلك يغضب حين يجد إنساناً يناوئه على فريقه أو على نصر منتخبه، فهل هذه أمة تريد بحبها وجه الله؟!
وهل هذه أمة رسالة؟!
قد رأينا جميعاً بعض الناس يوالون على مغنيين، ومغنيات, وما جنين وماجنات, أحياء وأموات، فيتعصب لهؤلاء وهم أرخص الناس ثمناً وأقلهم سعراً في الأسواق، وهؤلاء لا عقل ولا دين كمثل أحد الصوفية كان يقرأ قوله تعالى: فَخَرَّ عَلَيْهِمْ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل]: (فخر عليهم السقف من تحتهم) لأن الأصل أن السقف من فوق، لكن لا عقل ولا دين:
ولـو أني بليت بهاشمي خئولته بنو عبد المدان
لهان عليّ ما ألقى ولكن تعالوا فانظروا بمن ابتلاني
أعلى الصفحة
بطلان ادعاء الحب
الدعوى سهلة, يقول أحد الصالحين: لا تعرضوا حب الله على الألسن فتدعيه، وادعاء حب الله سهل عند الناس جميعاً, فتارك صلاة الجماعة وهو يصلي -رغم قوته- في بيته كالعجوز، تقول له: لماذا لا تصلي في المسجد؟ قال: الله يعلم أني أحبه. وكذب لعمر الله! لو كان يحب الله ما تأخر عن الصلاة في المسجد:
يقول محمد إقبال معبراً عن حبه لمولاه:
نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا
جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا
......
المحبة تستلزم الطاعة
ثابت بن عامر بن عبد الله بن الزبير ، قال: يا رب! أمتني ميتة حسنة, قالوا: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فطالت به الحياة وعلم الله أنه صادق: فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ [محمد].. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت] وأتت إليه منيته في وقت صلاة المغرب، فإنه لما كان في حالة الموت فسمع: حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح، قال: احملوني إلى المسجد، قالوا: أدركك الموت, قال: أسمع حي على الصلاة حي على الفلاح ولا أقوم, لا والله! فنقلوه فلما أصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه.
فهذه هي الميتة الحسنة.
فأهل الحب هم أهل الإيمان والحب والطموح.
قال أبو الحسن الندوي في معرض كتابه مسيرة الحياة : عين بلا إيمان مقلة عمياء، وأمة بلا إيمان قطيع من ظأن وغنم، ونحن نقول: كتاب بلا إيمان كلام مصفف، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، وعقل بلا إيمان ضلال وضياع وخسار ودمار وعار، لينتبه كل منتبه أن العقل لا يأتي بالدعوى, يقول ابن القيم في مدارج السالكين ، وهو يتلطف مع المحبين، ويتكلم عمن يدعي حب الله عز وجل ثم يكذب، أقواله في واد وادعاؤه في واد آخر:
أصحيح أن من يحب الله عز وجل يتدثر في فراشه وصلاة الفجر ينادى إليها؟ كذبٌ والله! إن هذا لم يحب الله، ولو أحب الله لأتى بيت الله، ولصلى مع المسلمين, ولتشرف بوضع جبهته في الأرض، فإن الذي لا يضع جبهته في الأرض لله يضعها لغير الله، والذي لا يمد يده سائلاً الله, يمدها لغير الله, وهذه قاعدة.
فلا بد للإنسان من إله: الله أو غيره, لذلك يقول ابن تيمية : الإنسان همام حارث -كما في الحديث الصحيح- لا بد لقلبه أن يهم ولا بد له أن يزاول شيئاً، فلا بد له من إله يألهه وهو الله تبارك وتعالى، واسم "الله" معناه الذي تألهه القلوب وتحبه، ولا يركن القلب ولا يرتاح القلب إلا مع الله.
وقد ذكر عن سيبويه النحوي: أنه رئي في المنام فقالوا: ماذا فعل الله بك؟ -سيبويه توفي وعمره (32 سنة) وقد ألف في النحو، ولو كان في الكتب معجزة -غير كتاب الله وسنة المصطفى- لكان هذا الكتاب، ولكن كتاب الله هو المعجز ونستغفر الله, لكن قالها أبو حيان المصري النحوي- فلما رئي في المنام، قالوا: ماذا فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قالوا: بماذا؟ قال: قلت في باب المعرفة: الله أعرف المعارف.
فهو عندما أتى إلى اسم الجلالة ليعرفه للنحاة لم يعرفه بل قال: الله أعرف المعارف وسكت، ثم أخذ في الكلام، وهذا كلام عجيب، وهو أعرف المعارف سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد] وابن القيم يتحدث عن ادعاء الحب فيقول: تقول امرأة لرجل يدعي حبها:
ولما ادعيت الحب قالت كذبتني أليس أرى الأعضاء منك كواسيا
تقول: لو كنت صادقاً لنحل جسمك من الحب، ولظهر عليك علامات الحب، أما أن تتظاهر بالحب وأنت تنام الليل، وتأكل ما اشتهيت، وأنت سمين، فأين آثار الحب عليك؟
ولذلك يقول ابن المبارك :
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
فيقول: كذب من ادعى المحبة، وفي أثر إسرائيلي: كذب من ادعى محبتي، فإذا ضمه الليل نام عني ولم يقم يناجيني, أو كما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا من أحاديث الإسرائيليات نرويها باعتبار: {حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج }.
فالحب ادعاه قوم كثير وهو في المسلمين كثير وكثير، حتى من الفسقة الفجار ممن يحمل الكأس، ويعيش للمرأة، ويسمع الأغنية، ويعاصر الخلاعة، فإذا قلت له في ذلك ادعى حب الله، وهذا أكبر ادعاء وبهتان في الأرض وهو إفك وبهتان وزور مبين.
أعلى الصفحة
محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد
ومحبة الله عز وجل ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم أعلى المطالب وأعظم المقاصد، فآخر ما تصل إليه من درجة العبودية أن تحب الله أكثر من نفسك وأهلك ومالك، ومن الناس أجمعين، وتحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الحب.
في صحيح البخاري قال عمر : {يا رسول الله! والله إنك أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يا عمر ! حتى أكون أحب إليك حتى من نفسك، فانتظر قليلاً ثم قال: والله -يا رسول الله- إنك أحب إلي من نفسي } فهذا هو منتهى الحب.
وفي الصحيحين عن أنس يقول عليه الصلاة والسلام: {ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يكره أن يقذف في النار } فمن وجد هذه الثلاث وجد حلاوة الإيمان ومنتهاه وأصله فهنيئاً له، ومن لم يجد ذلك فليبكِ على نفسه.
وحب الله من أعظم المقاصد والمطالب، يقول ابن القيم في الفوائد في قوله تعالى: يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة] ليس العجب من قوله: (يُحِبُّونَه) فإن من أطعمك وكساك ومن خلقك ورزقك تحبه جبلةً وأصلاً، ولكن العجب من قوله: (يُحِبُّهُمْ) فالله خلقهم ورزقهم، وأعطاهم الأسماع والأبصار، ثم يحبهم سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وأعطاهم النفوس ثم اشتراها منهم وأعطاهم الجنة ثمناً فكان الربح لهم.
أتى جبريل بصك أملاه الواحد الأحد ووقع فيه محمد: السلعة الجنة، والثمن أرواح المؤمنين، فتقدم من يشتري تلك السلعة فقدموا أرواحهم في بدر وأحد وارتفعت أرواحهم إلى الحي القيوم، فكلمهم الله كفاحاً بلا ترجمان: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة].......
صور من محبة الصحابة لله
قال ابن القيم في زاد المعاد وهو يتحدث عن بيع جمل جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري أبوه أتى إلى يوم أحد فلبس أكفانه, ومعنى لبس الأكفان: أنها ساعة الخطر والصفر, فلا عودة إلى الحياة، ولا محاب إلا محبة الله، لا زوجة ولا ولداً ولا داراً ولا مالاً:
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
أم من رمى نار المجوس فأُطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
أتى إلى المعركة فأخذ غمد سيفه وكسره على ركبته -وهذا في أحد وحديثه في الصحيح- وقال: [[اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى ]] فقتل، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام لـجابر : {ابك أو لا تبك والذي نفسي بيده, ما زالت الملائكة تظل أباك بأجنحتها حتى رفعته } وفي حديث حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {يا جابر ! والذي نفسي بيده, لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن يا عبدي , قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية، قال: كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون، فأتمنى أن ترضى عني, قال: فإني قد رضيت عنك، فأحل الله عليه رضوانه وعلى إخوانه من الشهداء, وجعل أرواحهم في حواصل طير ترد الجنة فتأكل من ثمارها، وتشرب من مائها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش حتى يرث الله الأرض ومن عليها } وأنزل الله قوله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:169-171].
جابر أتى بجمله يضربه في غزوة لأن الجمل تحير عليه, فأتى عليه الصلاة والسلام فأخذ العصا فضرب الجمل -والحديث في الصحيحين - فتحرك الجمل حتى قال جابر : كنت أحبسه لا يتقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ صلى الله عليه وسلم يداعبه بكلام الأحباب بالسحر، فقال له وهم يمشون في آخر الليل: {يا جابر ! أتزوجت؟ قال: نعم. قال: بكراً أم ثيباً؟ قال: ثيباً، قال: هلا بكراً تداعبها وتداعبك؟ قال: إن لي أخوات وقد قتل أبي - يعني: في أحد - وترك عندي سبع أخوات فأردت امرأة تقوم على شئونهن, فسكت عليه الصلاة والسلام، ثم قال: يا جابر ! أتبيعني جملك؟ قال: ما ترى يا رسول الله! فشراه بأوقية، فلما ذهب اشترط جابر حملانه إلى المدينة ، قال: فدخلت المسجد فصليت ركعتين -وفي لفظ: قال له صلى الله عليه وسلم: صلِّ ركعتين- فلما أتى قال لـبلال : انقده الثمن, فأعطاه الأوقية, فولى جابر فأخذ الثمن وترك الجمل، قال: يا جابر ! تعال خذ الجمل والثمن، فساق الجمل والثمن } قال ابن القيم : كأنه يشير إلى قصة أبيه عبد الله يوم أعطاه الله روحه ثم أخذ روحه وأعطاه الجنة، فهو الذي أعطى في الأولى والثانية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة]. فهذا هو حب الصحابة لله تبارك وتعالى.
وفي السير عند ابن هشام وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم: {وقف قبل معركة أحد يعلن الحرب على أبي سفيان على المنبر، ويتحدث للناس ويشاورهم: أنقاتل في المدينة أم نخرج خارج المدينة ؟ فقال كبار الناس: يا رسول الله! دعنا نقاتل هنا, فقام شاب من بني سالم، ققال: يا رسول الله! لا تحرمني دخول الجنة، فوالله الذي لا إله إلا هو! لأدخلن الجنة, فقال عليه الصلاة والسلام وهو يتبسم: بم تدخل الجنة؟ -هل يحلف على الله أحد؟! هل يقسم على الله فرد من الناس،ومن يدر بأحكام الله تبارك وتعالى؟!- قال: بخصلتين، قال: ما هما؟ قال: إني أحب الله ورسوله ولا أفر يوم الزحف، قال عليه الصلاة والسلام: إن تصدق الله يصدقك، وبدأت المعركة يوم السبت ودارت رحاها وأتى الصادق -يوم يوف الله الصادقين بصدقهم- فصدق الله فقتل، ومرّ عليه الصلاة والسلام على البواسل من الجنود فوجد هذا فأخذ يمسح التراب عن جبينه وتدمع عيناه صلى الله عليه وسلم ويقول: صدقت الله فصدقك الله } يقول محمد إقبال :
أرواحنا يا رب فوق أكفنا نرجو ثوابك مغنماً وجوارا
لم نخش طاغوتاً يحاربنا ولو نصب المنايا حولنا أسوارا
وكأن ظل السيف ظل حديقة خضراء تنبت حولنا الأزهارا
إلى أن يقول:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
عبدة الدينار, عبدة الحلي, عبدة المناصب، عبدة الوظائف -نعوذ بالله أن نكون منهم- لأنهم أحبوا هذا أكثر من حب الله، وعلامة ذلك: ذكرهم لها في المجالس والولاء البراء والحب والبغض من أجلها والانقياد لها أكثر من الحب لوجه الله عز وجل.
جعفر بن أبي طالب من الذي أخرجه فترك أهله وماله وولده وأحبابه؟ وقبل المعركة ماذا فعل؟ كسر غمده، وكسر الغمد عند العرب ليس بالأمر السهل، إذا كسر الرجل غمده على ركبته فهذا يعني: ساعة الصفر وأنه لن يعود أبداً، من الذي جعله يكسر غمده؟ إنه حب الله فيقـول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إن لاقيتها ضرابها
فقاتل حتى الظهر فقطعت يمينه, ولو كان يقاتل لغير الله فأتته نخسة برمح والله لا يثبت في المعركة, والروس يفرون الآن من أفغانستان , حتى إنهم رفعوا أصابع النصر يوم انسحبوا مهزومين، لماذا؟ لأنهم يقاتلون للطواغيت ولا يقاتلون لله، يحبون الحياة:
فروا على نغم البازوك في غسق فقهقهت بالكلاشنكوف نيرانُ
والذي يقاتل لله لا يفر ولا ينسحب, فقطعت يده اليسرى فضم الراية بعضديه, فكسرت الرماح في صدره فهوى شهيداً وأبدله الله بجناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء, وهذا أعلى الحب.
عمير بن الحمام في بدر يقول له صلى الله عليه وسلم وللناس: {والذي نفسي بيده! ما بينكم وبين الجنة، إلا أن يقتلكم هؤلاء، فيقول الأنصاري عمير بن الحمام -الذي لا يملك إلا الرمح, ولا يملك إلا الثياب البالية, ولا يملك إلا حفن التمر في يده-: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيننا وبين هؤلاء إلا أن يقتلنا هؤلاء؟ قال: إيه والذي نفسي بيده, قال: والله إنها لحياة طويلة إذا بقيت إلى أن آكل هذه التمرات، ثم رمى التمرات فقاتل حتى قتل -وفي لفظ في السيرة- وخلع درعه من على جنبه }.
وفي الحديث: {ويعجب ربك من الرجل يلقى العدو حاسراً } ولذلك يقول الأول فيه وفي أمثاله:
ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أعقابنا تقطر الدما
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي حياة مثل أن أتقدما
أنس بن النضر :
من الذي جعله يزحف حتى يقول سعد : [[هون عليك رويداً رويداً؟ قال: إليك يا سعد ! والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد ، فقاتل حتى قتل ]] فما عرف إلا ببنانه، ووجدوا فيه بضعاً وثمانين ضربة؛ لماذا هذا؟ إنه حب الله عز وجل، والمطلوب منا نحن ليس أن نسفك دماءنا، فالحمد لله ليس عندنا سفك دماء، بل أكل خبز وشرب ماء، وصلاة في الجماعة في الصف الأخير! ثم إذا صلينا نظرنا إلى الفسقة الذين هم أسفل منا في الدين, وقلنا: نحن كالصحابة نصلي خمس صلوات في المسجد، وهذا هو حال المتخلف يوم ينظر إلى الأقل منه، لكننا ما نظرنا في الدنيا إلى الذين هم أقل بل نظرنا إلى من فوقنا، فكلما تواصينا بالزهد؛ قلنا: نحن على خير ونحن أفضل من كثير من الناس, أوما رأيت إلى أولئك وأولئك كم عندهم من الدور والقصور والسيارات! فرضينا في الدين بالهون والدنية، ولم نرض في الدنيا إلا بأعلى شيء وقمته، وهو ليس بقمة وليس بأعلى.
فمحبة الله عز وجل هي أعلى المطالب وأعلى ما يطمح إليه المؤمن بلغني الله وإياكم محبته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
أعلى الصفحة
علامات محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
كل يدعي المحبة لكن هناك علامات وإذا لم يأت الإنسان بشهود فهو كاذب:
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بينات أصحابها أدعياء
ولو أعطي الناس بدعواهم لادعى الخلي حرقة الشجي، وحديث ابن عباس : {لو أعطي الناس بدعواهم, لادعى أناس دماء أناس وأموال أناس }.
ولو كان كل إنسان يسلم له بدعواه لأخر أناس صادقون وقدم قوم كاذبون.......
بيع النفس لله
أما أعظم علامة من علامات حب الله عز وجل: هي بيع النفس.
وبيع النفس هي أول خطوة من خطوات الهجرة, أن تبيعها من الله الواحد الأحد فتغضب لله وترضى لله وتقدم لله، وتعطي لله، وتحب وتبغض لله، وقد ذكرت نماذج من الذين باعوا أنفسهم حقيقة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة].
أعلى الصفحة
الإقبال على الطاعات
ومن علامات حب الله عز وجل: الإقبال على الطاعات, والانتهاء عن المخالفات. من سمع الأذان ولم يأت إلى المسجد بلا عذر فإنه لم يحب الله.
من هجر القرآن فلم يقرأ فيه, وقدم قراءة المجلة الخليعة والجريدة التافهة على كتاب الله فما أحب الله.
من جلس مع رفقاء السوء وهجر الصالحين وما جالسهم فما أحب الله.
من تخلف عن النوافل وعنده بسطة في الجسم وسعة في الوقت فما أحب الله.
من أغلق قلبه عن الذكر فما ذكر الله وما تلذذ بذكره وما أحب ذكره فما أحب الله.
فهذه علامات تظهر، وعلامات المحبين بيع النفس:
يجود بالنفس إن ظن البخيل بها والجود بالنفس أغلى غاية الجود
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين؛ منزلة المحبة, ويذكر ابن القيم عشرة أسباب للمحبة نذكر منها:
أعلى الصفحة
قراءة القرآن
قراءة القرآن بتدبر، فإذا رأيت الإنسان يحب المصحف ويتلذذ بالقراءة بالمصحف فاعرف أنه من أحباب الله.
أعلى الصفحة
كثرة ذكر الله
ومن العلامات كثرة الذكر:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد].. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة].. {سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قالوا: يا رسول الله! وما المفردون؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات } وفي الترمذي عن عبد الله بن بسر : {أن رجلاً أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ فأخبرني عن شيء أتشبث به, قال: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله } فإنسان لا يذكر الله كثيراً فشك فيه، يقول الله في المنافقين: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً [النساء] سبحان الله! منافق يذكر الله! ولكن ليس عنده ذكر إلا قليل, وأنت تعرف الناس بتصنيفات، فإن الناس على محبوباتهم الذي يبيع الغنم يريد أن يتكلم الناس في الظأن والماعز كما قال الغزالي ، فتجد حبه في الكلام على الغنم، والبنّاء لا يتكلم إلا في البناء, والنساج والنجار وغيرهم.
أما أولياء الله إذا جلسوا في مجلس لهجو بلا إله إلا الله والله أكبر ليذكروا الله:
إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس
تجده دائماً يريد أن يتحدث في الله عز وجل, وهذا أعظم شيء للإنسان في الحياة، فتجده يقول -مثلاً-: هل سمعتم ما قيل في هذه المسألة؟ لأنه يحمل الإيمان والحب والطموح، أما التافه فهو يتكلم في التافهات، يسميها ابن تيمية في المجلد العاشر (مجريات الحياة): وبعضهم ما يريد مجريات الحياة، وليس له هم إلا أن يتكلم في الدنيا، ويجمع من أخبارها، ثم تذهب وتسحق: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد] ولذلك تأتي بضاعتهم يوم القيامة مزجاة ولا يقبل ذاك اليوم إلا بضاعة خرجت وعليها ختم محمد صلى الله عليه وسلم من طيبة ، أما الختوم الأخرى فإنها لا تقبل عند الله.
ومن علامات حب الله:
أعلى الصفحة
تعظيم الشعائر
وذُكر عن بشر الحافي في شبابه أنه وجد صحيفة على الأرض مكتوب فيها: الله -هل تعلم له سمياً؟ هل تعلم أعظم من الله؟- فقال: يا رب! سبحانك تباركت وتعاليت يداس اسمك! والله لأطيبن اسمك, فأخذ الصحيفة وطيبها وعلقها, فسمع قائلاً وكأنه في المنام: يا من طيب اسم الله! ليطيبن الله اسمك، فرفع الله اسمه، فهو من العباد الكبار الذين تطيب بذكرهم المجالس؛ لأنه طيب اسم الله.
يقول أحد الصالحين -وقد ذكر هذا الذهبي عن الإبيوردي -: ما نمت في غرفة فيها مصحف، وذلك تعظيماً لشعائر الله.
الإمام أحمد - وهذا في ترجمة إبراهيم بن طهمان الراوية في الصحيحين ، فهو راوية البخاري ومسلم - ذكروا عنده إبراهيم بن طهمان فقال: أجلسوني, فأجلوسه -في سكرات الموت- قالوا: كيف وأنت مريض؟ قال: نذكر الصالحين ونحن على جنب ولا نقعد! لا والله، وهذا من تعظيم شعائر الله.
قالوا لـسعيد بن المسيب : نريد أن تحدثنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أجلسوني، قالوا: أنت مريض، قال: أيذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ممدود مضطجع؟! فأجلسوه فتكلم.
وسئل الإمام مالك وهو يمشي, قال: الحديث لا يسأل عنه والإنسان يمشي.
ويقول ابن المبارك : كنت مع الإمام مالك في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فلدغته عقرب, فأخذ يتغير وجهه, فلما انتهى قلت: مالك؟ قال: لدغني عقرب فكشف عن ساقه فإذا لدغ العقرب عليها واضح، فقلت: ولم لم تقطع الحديث؟ قال: أأقطع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم في لدغ عقرب؟! ثم نفث في يده وقرأ ورقى رجله فكأنما بها قلبة.
وهذا عباد تصيبه الأسهم وهو يقرأ سورة الكهف فما قطع الصلاة، قال له أخوه وزميله: لماذا لم تقطع الصلاة، قال: أقرأ كلام ربي وأقطعه من أجل هذا؟! لا والله، ثم يقول: لولا مخافتي أن يظهر العدو علينا، لبقيت حتى أتم السورة.
أعلى الصفحة
الحب الرخيص
الحب الرخيص التافه حب المرأة والكأس، وحب الماجنين والماجنات، والمغنين والمغنيات، والفنانين والفنانات الأحياء منهم والأموات.
والفنان في لغة العرب هو: الحمار المخطط -الحمار الوحشي المخطط- وأكله حلال لكن أكل الحمار الإنسي حرام.
أما الفنان الوحشي المخطط فأكله حلال؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يوم خيبر أذن به وحديثه صحيح عن أبي قتادة وغيره، أما الإنسي فلا يؤكل.
فهؤلاء صرفوا الأمة وصرفوا القلوب عن باريها وهم أعداء الأمة في مسألة الحب، واسمع إلى بعض النماذج، يقول أحدهم -وهو يصرف قلوب الناس إلى غيرالواحد الأحد-:
يا من هواه أعزه وأذلني كيف السبيل إلى وصالك دلني
السبيل إلى النار خذها على يسارك ولك مقعد في النار إذا لم تتب، فالوصول إنما هو إلى الله الواحد الأحد.
يا من هواه أعزه وأذلني
نعم. لأنك ذللت لغير الله فأذلك الله، فهم في ذلة في الحياة الدنيا، والعجيب أنهم لا يخجلون لكن دعاة الحق يخجلون، فيخجل الإنسان أن يتكلم في الدعوة وأن يخطب فيها، وأن يكون إماماً في الدعوة، يقول: أنا لا أستطيع أن أخطب في جماعتي وأن أصلي بهم، والفنان أمام الملايين لا يخجل فيذل نفسه وعقيدته ويتكلم أمام الملايين، أتدرون من المخاطب فيها؟ إنها امرأة ماجنة, امرأة حرام وليست في الحلال.......
حديث: (من عشق فعف .... ) حديث باطل
وبعضهم يستدل ويتنطع بحديث: {من حب فعف فكتم فمات؛ مات شهيداً } هذه شهادة نابليون وهتلر ، وهؤلاء الأقزام الحقراء الكلاب، وليست شهادة تدخل الجنة؛ لأنه مات من أجل امرأة, وهذا لا يوجد في العالم, فليس هناك رجلاً حب فعشق فكتم فمات فهو شهيد، لا يوجد هذا من يوم خلق السماوات والأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لم يوجد هذا الصنف، ما وجد أن واحداً يحب ويعف ويكتم حتى يأتي بفاحشة، وهذا الحديث أورده ابن خلكان وسكت عنه لأنه يوافق مشربه, وابن خلكان كان يسكت عن الأشعار وهو عنده حديث، حتى يقول الذهبي : سكت عن ابن الراوندي كأن الكلب ما أكل له عجيناً، لماذا لا يتحمس, ويعلق على هذه الأحاديث؟
فلذلك قال ابن القيم في زاد المعاد : والله الذي لا إله إلا هو لو كان سند هذا الحديث كالشمس لكان باطلاً ولم يقله النبي صلى الله عليه وسلم، لو كان سنده سفيان الثوري ومالك وأحمد والشافعي لكان الحديث باطلاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يقول هذا للناس: من عشق وعف وكتم ومات مات شهيداً.
فهل صحيح أن شخصاً يحب امرأة ويعشقها حراماً، ويكتم حبها ثم يموت فيدخله الله مع جعفر وسعد بن معاذ ، وأنس بن النضر ؟! قطعاً لا يدخل الجنة من هذه الطريق إلا أن يكون له حسنات غير ذلك.
والثاني يقول:
هل رأى الحب سكارى مثلنا
وهذه منقولة، ورأيت أحد المفكرين ينقلها عما يسمونه كوكب الشرق وهي ظلام الشرق، تلك التي فتنت الأجيال والجماهير ووقفت تصد الشباب عن الله، وميراج إسرائيل يغطي ضوء الشمس عن الأرض ويقصف بالطائرات.
شاعر اليمن البردوني وهو أعمى القلب والبصر:
فأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب
يقول: أسقطنا الطائرات بالخطب, وشاعر آخر يقول:
شجباً ونكراً وتنديداً بغارتها الله كم نددوا يوماً وكم شجبوا
كيف انهزمنا وما تلك بعادتنا سيسأل السيف عنا والقنا السلب
لكن انهزمنا لما سمعنا لكوكب الشرق وظلامه وخسارته, وإسرائيل لا تعرف الغناء والمجون والرفاهية للجيش, وتقصف أرضنا وتأخذ حدودنا ومقدساتنا وتقتل نساءنا وأطفالنا ونحن مع المغنين والمغنيات والماجنين والماجنات.
أعلى الصفحة
من أمثلة الحب الرخيص
هذا هو الحب الرخيص الذي صرف لغير مرضاة الله عز وجل, والحب الرخيص موجود من القرون الأولى يقول أحدهم:
حج الناس في عفاف وطهر محرمين لوجه الواحد الأحد
فهذا الحاج لا يحب الله كثيراً، فهو يبحث -انظروا في أعظم المواقف- في الحرم الذي هو بيت الله عز وجل الذي جعله مثابة للناس وأمناً, فينسى الله وينسى حبه الوقوف بين يديه، فينظر إلى امرأة أتت من الطواف إلى البيت تريد الباب فنسي كل شيء وأخذ يتغنى في الحرم، فهذا شاعر ماجن:
قف بالطواف ترى الغزال المحرما حج الحجيج وأراد يقصد زمزما
لو أن بيت الله كلم عاشقاً من قبل هذا كاد أن يتـكلما
فهذا هو الحب الحقير الذي يحاسبه الله بما قال وبما اقترف، ولي مقطوعة أرد عليه:
قف في الحياة تر الجمال تبسما والطل من ثغر الخمائل قد همى
والمؤمن اطلع الوجود مسلماً أهلاً بمن حاز الجمال وسلما
لا والذي جمع الخلائق في منى وبدا فأعطى من أحل وأحرما
ما في جميع الأرض أجمل منظر من مؤمن لله جد ويمما
فهذا هو الجمال وهذا هو الحب، أما من يتغزل بهذه الأمور ويصرف هذا إلى غير الله فقد كذب على الله.
أحد الصالحين خرج من بيته، فلما أصبح في الصحراء رفع طرفه إلى السماء ورفع أصبعه، وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بكى وقال:
وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس في السر خالياً
{ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه } وأصل هذا البيت لـمجنون ليلى يقول:
ومحبوبة يخلو في الخلاء لعل طيفاً يلقاه منها
ويستغشي وما به غشوة ويغمى عليه وما به إغماء، لعله أن يراها في المنام، فهذا سُلب إرادته وحبه وطموحه.
وهذا المتنبي شعره شعر قوي في القمة، لكنه أساء كل الإساءة يوم صرفه لمخلوق، يقول:
فومن أحب لأعصينك في الهوى
فهو أقسم بمحبوبه وهي امرأة، نعوذ بالله من الخذلان والحرمان.
يقول ابن القيم في بدائع الفوائد عمن صرف حبه لغير الله وهو أبو فراس الحمداني الشاعر:
وأبو فراس سجن في سجن في أرض الروم, فأرسل لابن عمه سيف الدولة رسالة يقول فيها:
فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب
إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
قال: أحسن كل الإحسان في نظم الأبيات, وأساء كل الإساءة يوم صرفها لمخلوق.
وخلاصة الباب:
إن الحب عقيدة، ومن صرفه لغير الله فقد أشرك وأخطأ, وأعني به الحب الكسبي السببـي لا الجبلي الفطري.
فإن الإنسان لازال يحب الطعام إذا جاع، والماء إذا ظمئ, ويحب زوجته، ويحب السكنى واللباس، لكن هذا فطري جبلي لا يلام عليه, يشترك فيه المسلم والكافر، ولكن الحب الكسبي السببـي هو عقيدة وعبادة، من صرفه لغير الله لقي الله لا حجة له -مقطوع الحجة- أو أصابه الخذلان والحرمان نعوذ بالله من ذلك.
إخوتي في الله! الخلاصة:
أدعوكم ونفسي إلى حب الله تبارك وتعالى وإلى حب رسوله صلى الله عليه وسلم، وإلى إقامة البينات على هذه الدعوة من محافظة على فرائض, ومن تزود بنوافل, وتدبر لكتاب الله، وكثرة ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن حب المصطفى, وحضور مجالس الخير، وحب العلماء والصالحين.
يا أمة الإسلام! مفهوم الحب هو أن يصرف لمرضاة الله عز وجل، وأن يحب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وألا يحب غيره الحب الكسبي السببـي.
يا من وقفتم أمام الأجيال رواداً: أدعوكم أن تلقنوا شباب الإسلام وأجياله وأبناءه، الإيمان بالله تعالى والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، والحب لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله.
واعلم أنك إذا أحببت شيئاً في الله فكأنك أحببت الله، وأنت مأجور على ذلك، فحبك للصالحين لأنهم أطاعوا الله أنت مأجور عليه، وحبك للمسجد لأنه بيت الله، فأنت مأجور.
وأدعوكم أن تعلموا الأمة الطموح، فنحن حين تركنا الطموح خسرنا -والله- وانهزمنا, خسرنا حين أخذ جيلنا وطلابنا ينبت الواحد منهم وهو يستمع الأغنية الماجنة، وتعرض عليه على أن القمم والعباقرة هم هؤلاء المغنون ويسمون في بعض الصحف: الصاعدون، وهم الصاعدون إلى الحضيض، قيل لـأبي علي الروذاباري : غلاة الصوفية -أهل الحلول- وصلوا, قال: نعم وصلوا، ولكن إلى سقر، لا تبقي ولا تذر!
فمنهم من يعجب بالكافر ويظن أنه ما خلق في الأرض إلا هذا الرجل. يأتي بعض الشباب من أمريكا وبريطانيا حتى أن أحدهم يقول لأحد العلماء -عالم يشرح في الروض المربع ، وهو أحد المتطورين الذين وقفوا على الجليد لا داخل الحلبة ولا خارج الحلبة- قال: يا شيخ! أنت تشرح في الروض المربع والناس قد صعدوا على سطح القمر، فقال له: أنت ما صعدت على سطح القمر ولا جلست على الأرض معنا تقرأ الروض المربع ، فهو ما صنع لنا صاروخاً ولا طائرة ولا ثلاجة ولكن أخذ السيجارة والعود من الغرب:
منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيـارة
أما المساوئ فنقلت للشرق، لكن ما سمعنا بأن أحداً صنع لنا ثلاجة أو سبورة ولا قدم مروحة أو سخانة أو برادة، وإنما أخذوا مخلفات الغرب وقدموها لنا، ثم يضحكون على الدعاة والعلماء وقالوا: إنهم خلف الركب، هم المتخلفون.. المتدهورون.. المتقهقرون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء].
إخوتي في الله: في الختام أدعوكم إلى الحب والإيمان والطموح، وكذلك أدعوكم إلى علو الهمة, وأن يكون حبنا لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله، وحينها نرتفع وليس لي زيادة كلام, وإن كان هناك من أسئلة فسوف نستمع إليها.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أعلى الصفحة
الأسئلة
......
الأخوة في الله وفضلها
السؤال: تكلمت عن الحب في الله, فأرجو التكلم عن الأخوة في الله وفضلها مع إلقاء قصيدة إن أمكن؟
الجواب: الأخوة في الله شق من الحب فيه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فلا يؤاخى في الإسلام إلا في الحب في الله, ولا تؤاخي إلا أحباب الله، والأصل في ذلك: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف] ولذلك أُثر عن علي رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: [[تزودوا من الإخوان فإنهم عون في الدنيا وفي الآخرة, قالوا: أما في الدنيا فصحيح أما في الآخرة.. كيف؟ قال أما يقول الله:الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ [الزخرف] ]] والرسول صلى الله عليه وسلم جعل من الأخوة أن تحب في الله وأن تبغض في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، والإخوان أن تحب الطائع لطاعته والمتقي لتقواه، وعلى ذكر القصائد يقول أبو تمام في الحب في الله:
إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد
أو يختلف ماء الغمام فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالـد
وبع